وجع رجل بعد 32 سنة زواج… حين يجد الإنسان نفسه وحيدًا رغم كل ما قدّمه للحياة
تمرّ على الإنسان لحظات يشعر فيها بأن الأرض تهتزّ تحت قدميه، خصوصًا عندما يفقد ركناً كان يعتبره ثابتًا في حياته. هذه هي حالة أحد الرجال الذي عاش صدمة عميقة بعد أن انتهى زواجه الذي دام أكثر من 32 سنة، ووجد نفسه فجأة في مواجهة الوحدة بعدما غادر أبناؤه خارج البلاد، كلٌّ منهم بحثًا عن مستقبله في مكان بعيد.
يقول هذا الرجل إن دموعه اليوم ليست ضعفًا، بل ألمًا وحسرة على سنوات طويلة قضاها وهو يبني أسرة، ويرعى أبناءه، ويقف إلى جانب زوجته في السراء والضراء. لم يكن يتوقع أن ينتهي هذا المشوار بقرار الطلاق الذي نزل عليه كالصاعقة، خاصة وأنه كان يعتقد أن العمر الطويل الذي قضياه معًا سيكون ضمانة لاستمرار العلاقة مهما كان حجم الخلافات.
الطلاق في سن متقدمة ليس حدثًا عابرًا، بل تجربة تهزّ الكيان النفسي والروحي للإنسان. فبعد 32 عامًا من العشرة، يصبح الشريك جزءًا من الروتين، من الذاكرة، من تفاصيل الحياة اليومية. وبمجرّد غيابه، يبدأ الفراغ في التسلل مثل ظل ثقيل يلاحق صاحبه في كل ركن من أركان المنزل، وفي كل لحظة هدوء لا يسمع فيها سوى صدى الحنين.
لكن ما يزيد الألم عمقًا هو وحدة الرجل بعد أن غادر أبناؤه البلاد. فابنه يعيش في فرنسا وبنته تعمل في دبي، وهو ما يجعل اللقاء بهم صعبًا. ورغم تواصله الدائم معهم، إلا أن المسافات الطويلة تجعل دفء العائلة أقل حضورًا في حياته اليومية. وهنا تتجلى الحقيقة المؤلمة: ليس أصعب من أن يرى الإنسان أبناءه ينجحون ويكبرون، بينما هو يتقوقع تدريجيًا داخل دائرة الوحدة.
غير أن هذه القصة، رغم وجعها، تحمل جانبًا آخر لا يقل أهمية: قوة الإنسان وقدرته على بدء حياة جديدة مهما تقدّم به العمر. فالكثير من الأشخاص الذين مرّوا بتجارب مشابهة استطاعوا إعادة بناء حياتهم من خلال الانفتاح على المجتمع، وتكوين صداقات جديدة، والانخراط في أنشطة تساعدهم على تجاوز العزلة.
إن الشعور بالحزن بعد تجربة الطلاق أمر طبيعي، لكن ما يمكن أن يغيّر المعادلة هو كيفية التعامل مع هذا الحزن. فالرجال غالبًا ما يخفون آلامهم، ويواجهون الأزمة بصمت، لكن الأبحاث النفسية تؤكد أن الاعتراف بالمشاعر والتعبير عنها هو الخطوة الأولى نحو التعافي. والتواصل مع الأصدقاء، الأقارب، أو المختصين يمكن أن يساعد كثيرًا على تجاوز الصدمة.
كما أنّ الأبناء، رغم بُعدهم الجغرافي، يبقون السند الأقوى. وقد تكون هذه التجربة فرصة لإعادة بناء علاقة أقوى معهم، قائمة على الدعم المتبادل لا فقط على الدور التقليدي للأب.
قصة هذا الرجل ليست فريدة، بل هي مرآة لواقع يعيشه الكثير من الآباء في تونس وخارجها، ممّن يجدون أنفسهم في منتصف العمر أو آخره أمام واقع جديد لم يستعدّوا له. لكنها أيضًا قصة أمل، لأن الحياة لا تتوقف عند أي محطة، وما دام القلب قادرًا على التحمّل، فإن الغد قادر على أن يحمل أيامًا أفضل.
وفي النهاية، يبقى السؤال الذي يطرحه هذا الرجل على نفسه: كيف يمكن للإنسان أن يعيد اكتشاف ذاته بعد فقدان كل ما كان يحيط به؟
والجواب يكمن في خطوة بسيطة: ألا يستسلم، وأن يمنح نفسه فرصة جديدة للحياة، مهما كانت التجربة التي مرّ بها قاسية.