قابس: أب يروي بحرقة لحظة تلقيه خبر اختناق ابنته داخل المدرسة بسبب تسرب كيميائي
قابس: أب يروي بحرقة تفاصيل اختناق ابنته بسبب انبعاثات المجمع الكيميائي
خيّم الحزن والأسى على مدينة قابس مجددًا، بعد حادثة اختناق عدد من التلاميذ داخل إحدى المدارس الابتدائية القريبة من المجمع الكيميائيبالجهة، إثر تسرب غازات أو مواد كيميائية في الجو، مما أثار موجة من القلق بين الأهالي. ومن بين القصص المؤثرة التي خرجت إلى العلن، رواية أبٍ تلقّى مكالمة من المدرسة تفيد بتدهور الحالة الصحية لابنته الصغيرة بسبب الاختناق.
الأب، الذي بدا متأثرًا بشدة، تحدّث في تصريحٍ لإحدى الإذاعات المحلية قائلًا: “تلقيت مكالمة من المدرسة يقولوا لي بنتك مريضة، ما كنتش متخيل اللي السبب هو الهواء اللي تتنفس فيه… جريت باش نوصل لقيتها مرقدة وما تقدرش تتنفس، منظرها عمره ما يتنسى.”
كلماته الصادقة لخصت مشاعر عشرات الأولياء الذين عاشوا لحظات خوف حقيقية على أبنائهم بعد انتشار حالات الاختناق داخل المؤسسة التربوية. وقد سارعت فرق الحماية المدنية والإسعاف إلى نقل المصابين نحو المستشفى الجهوي بقابس لتلقي الرعاية اللازمة، حيث أكد مصدر طبي أن أغلب الحالات كانت نتيجة صعوبات تنفس خفيفة إلى متوسطة، وتمت السيطرة عليها بسرعة.
من جهة أخرى، أكد عدد من سكان المنطقة أن هذه ليست المرة الأولى التي تشهد فيها قابس حالات مماثلة، مشيرين إلى أن الانبعاثات الكيميائية الصادرة عن المجمع تثير قلقهم منذ سنوات، خاصة خلال فترات الصيانة أو عند تغير أحوال الطقس. ودعا المواطنون السلطات إلى ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة للحد من التلوث وضمان بيئة سليمة للتلاميذ والسكان.
في المقابل، أوضحت مصادر من المجمع الكيميائي في تصريحات إعلامية أن فرق المراقبة الداخلية فتحت تحقيقًا فوريًا لتحديد مصدر الانبعاثات، مشددة على أن الشركة تعمل وفق المعايير البيئية وأن أي خلل يتم التعامل معه بالسرعة المطلوبة. كما أكدت وزارة البيئة في بلاغ رسمي أنها أرسلت فريقًا فنّيًا إلى الموقع للقيام بالمعاينات اللازمة ومتابعة الوضع الصحي للمصابين بالتنسيق مع وزارة الصحة.
الحادثة الأخيرة أعادت إلى الواجهة النقاش القديم حول التأثير البيئي للمناطق الصناعية في قابس، خاصة بعد تسجيل العديد من الشكاوى خلال السنوات الماضية من سكان المناطق المجاورة للمجمع. ويؤكد مختصون أن الوضع يستدعي خطة واضحة لإعادة تأهيل المنطقة والحد من الانبعاثات الضارة، عبر تحديث المعدات ومراقبة العمليات الصناعية بانتظام.
وفي هذا السياق، شدّد عدد من الناشطين البيئيين على ضرورة إشراك المجتمع المدني في مراقبة الوضع البيئي، معتبرين أن حماية الأطفال حق أساسي لا يمكن التساهل فيه. وقال أحدهم في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي: “ما نطالبوش بالمستحيل، نحبوا فقط هواء نظيف وبيئة سليمة لأولادنا.”
أما الأب، الذي تحولت قصته إلى حديث التونسيين، فقد ختم حديثه برسالة مؤثرة: “أنا ما نلوم حتى طرف، لكن نحب بنتي ترجع تتنفس بلا خوف، نحب قابس ترجع خضراء كيما كانت.”
حادثة قابس الأخيرة ليست مجرد واقعة معزولة، بل جرس إنذار جديد يدعو إلى التحرك الجاد من أجل ضمان بيئة صحية آمنة لأبناء الجهة، بعيدًا عن التلوث والمخاطر الصناعية التي باتت تهدد حياتهم اليومية.