آخر ظهور لخنساء المجاهد قبل اغتيالها… صدمة تهزّ ليبيا وتساؤلات بلا إجابات
إنها قصة مؤلمة تجمع ما بين الشهرة الرقمية والواقع المأساوي: آخر فيديو نشرته صانعة المحتوى الليبية “خنساء المجاهد” قبل أن تُغتال بطريقة وحشية برصاص غادر، ما يعكس خلًا كبيرًا في النسيج الاجتماعي والأمني لليبيا.
في الفيديو الأخير الذي وثّقته خنساء قبل موتها، تظهر بابتسامة هادئة وكأنها تشعر بأن شيئًا ما في الأفق يتغيّر. تتحدّث بطابعها الصريح والمحبوب عن يومياتها، مشاريعها الصغيرة، آمالها في مستقبل أفضل، وعن حبها لليبيا التي لطالما عبّرت عنها في محتواها. كان كلامها بسيطًا، بعيدًا عن التزلف والمزايدة، وكأنه رسالة أماني تقدمها لجمهورها ولكل من يراقب حياتها. بعض التعليقات تشير إلى أنها كانت تتجه نحو إنتاج محتوى أكثر نضجًا، وربما حملة تهدف إلى تسليط الضوء على القضايا الاجتماعية في بلدها.
لكن القدر لم يمهّلها. بعد فترة قصيرة من نشر هذا الفيديو، تعرضت خنساء لهجوم مسلّح أثناء قيادتها سيّارتها، حيث أُطلقت باتجاهها أعيرة نارية بعدة طلقات، ثم صوب الجاني سلاحه مباشرة إلى رأسها، ما أدّى إلى وفاتها على الفور. من المفارقات المأساوية أن خنساء رحلت وهي في أوج عطائها الرقمي، تاركة خلفها ابنة يتيمة، وأحلامًا لم تكتمل، وصوتًا كان يُسمع في الفضاء الرقمي بقوة.
ما يجعل هذه الحادثة أكثر وقعًا هو رسالتها الصامتة عن انعدام الأمان والفوضى التي ما زالت تهيمن على بعض المناطق الليبية. فحين تُقتل صانعة محتوى أمام أنظار سماء وطنها، يكشف ذلك هشاشة القانون، وتفشّي العنف المسلّح، وضعف الحماية للمواطنين، ولا سيّما للنساء اللاتي يعبّرن بصوت مستقل.
كما يلقي هذا الاغتيال الضوء على التحدّيات التي يواجهها الصحفيون وصانعو المحتوى في البلدان التي تعاني من نزاعات مستمرة: التهديد، التسريب، الخطر الدائم على حياة الكاتب والمصور والناشر. فقد أصبحت المنصّات الرقمية مرآة تعكس الصراعات الحقيقية في الشوارع، وكانت خنساء أحد وجوه هذه المرآة.
من جهة مجتمعية، أثار مقتلها موجة من التنديد بين المتابعين الليبيين والعرب، وتضامن واسع مع ابنتها وعائلتها. كثيرون طالبوا بإجراء تحقيق عادل، ومحاكمة الجناة، وتقديم الضمانات لسلامة صانعي المحتوى الذين يعبّرون عن آرائهم بقوّة. بعض النشطاء وصفوا رحيلها بأنه فقد لجزء من الحرية الرقمية في ليبيا، وأن دمها المسيّل هو بمثابة فاجعة سياسية وأخلاقية.
في الوقت نفسه، يدعو كثير من المراقبين إلى ضرورة تعزيز الأمان الرقمي والمادي في ليبيا: تعليم المحتوى بعقل، حماية صناع المحتوى، ودعم جهات مدنية قادرة على الضغط من أجل تصحيح المسار. فالموت بهذه الطريقة لا يُعبّر فقط عن جريمة فردية، بل عن عقبة أمام حرية التعبير، وعن ضعف المؤسسات التي من المفترض أن تحمي مواطنيها.
ختامًا، يُمكن القول إن آخر فيديو لخنساء المجاهد ليس مجرد تسجيل عابر، بل شهادة أخيرة من امرأة آمنت بأنها يمكن أن تُحدث فرقًا في العالم الرقمي، وأن صوتها يمكن أن يصل. ورحيلها بهذه الطريقة يضع علامات استفهام كبيرة حول مستقبل الليبيين الذين يحاولون بناء وطن بكرامة وأمان، في بلد لا يزال يغرق بين الدمار والأمل.
إنا لله وإنا إليه راجعون.