اخبار عامة

شهادة مؤثرة من صفاقس تروي لحظات محاولات إنقاذ بعد غرق مركب: “غطست تحت الشقف لعله ينجو صاحبي”

في لحظات صعبة سادتها مشاعر الحزن والخوف حيّدت فيها البحر قلوب أهالي منطقة مرسى السلامي في صفاقس بعد حادث غرق مركب صيد أسفر عن وفاة شابين وفقدان ثالث. ومن بين الشهود على مأساة البحر أطل أحد أصدقاء الضحايا، محمود بالشتاوي، ليروي تفاصيل مؤلمة عن اللحظات التي حاول فيها إنقاذ صديقه “ياسين” قبل أن تحيله الأقدار إلى الموت.

قال محمود إنه عندما رأى المركب ينهار ويغرق تحت الأمواج، لم يتردد للحظة واحدة، بل قفز إلى البحر وغطس نحو موقع الانقلاب، محاولًا اقتلاع صاحبه من بين الأمواج والشلّفات — أملاً في إنقاذه. وصف كيف أن المياه كانت تعتم والرؤية شبه معدومة، لكن عزيمته لم تفتر، رغم الخطر الكبير الذي كان يحيط به.

وعند الوصول إلى الموقع، تعثّر محمود في التيار المائي، وتعرض لصعوبة كبيرة في التنفس، ما اضطره إلى الصعود، غير مدرك أن صديقه “ياسين” لم يكن محظوظًا، إذ فقد الوعي تحت المياه ولم يتمكن من النجاة.

تلك التفاصيل المروعة عبّرت عن مدى الخسارة والألم الذي خلفته الفاجعة ليس فقط في صفوف عائلات الضحايا، بل في النفس المجتمعية للمنطقة برمتها. فرغم قسوة البحر، كانت هناك محاولة إنسانية للشجاعة والتضحية، رغم أنّ النتيجة جاءت حزينة ومؤلمة.

من رجاحة العقل أنها جاءت هذه المأساة تذكيرًا قاسيًا بالمخاطر التي يواجهها البحّارة في كل رحلة: قد لا تكون دائمًا الظروف تحت السيطرة، والتيارات المائية، الأمواج، والعوامل الجوية قد تقلب الموازين في لحظة.

ويقول كثيرون إن حادث الغرق هذا يجب أن يكون نقطة انطلاق لإعادة التفكير في إجراءات السلامة داخل البحر: ضرورة وجود سترات النجاة، عُهدة على عدد ركاب أقل من الحمولة القصوى، فحص دوري لحالة المركب، والتشديد على التهويل في الطقس قبل الإبحار.

كما عبّر بعض المواطنين عن حاجة ملحّة إلى إنشاء خلية طوارئ بحرية مجهّزة في مناطق مثل مرسى السلامي وسواحل صفاقس، تستطيع أن تتدخل بسرعة وقت الحوادث، لأن التأخير في مثل هذه الحالات غالبًا ما يصحب بآثار مأساوية.

في المقابل، ظهر تضامن واسع من أبناء الجهة، الذين زاروا عائلات الضحايا، وشاركوا في تشييعهم، معبّرين عن ألمهم العميق، وعن رفضهم لهذه الخسارة التي جاءت وسط تفاصيل إنسانية مؤلمة.

وتبقى ذكرى “ياسين” وغيرها من البحّارة الذين رحلوا في البحر حاضرة في نفوس من عرفهم، وفي وجدان مجتمع الصيادين الذي يواجه الخطر بصدق كل يوم من أجل لقمة عيش.

وفي انتظار نتائج التحقيقات، يواصل بعض الأهالي عمليات البحث عن المفقود الثالث، حاملين بارقة أمل بأن تعود الحياة إليه أو تُستعاد جثته.

رحم الله الفقيدين، وغمرهما برحمته، ورزق ذويهما جميل الصبر، ونسأل للجرحى الشفاء الكامل، ولعائلات المفقود القوة والأمل في الأيام القادمة.