اخبار عامة

الحاجة عوالي… تسعون عاماً من العطاء تُقابل بقسوة السجن بعد خطأ غير مقصود

في واحدة من أكثر القصص الإنسانية إيلاماً، وجدت الحاجة عوالي، المرأة التي شارفت على التسعين عاماً، نفسها في مواجهة قسوة لم تتوقع أن تعيشها في أواخر أيامها. الحاجة التي أفنت عمرها في خدمة الناس، وعُرفت بطيبتها وحنانها وحرصها على مساعدة كل من قصدها، تُساق اليوم إلى السجن وكأنها مجرمة، بسبب خطأ طبي غير مقصود، انتهى بفقدان إحدى المريضات حياتها. حادثة أعادت طرح أسئلة كثيرة حول الإنسانية، الرحمة، والمسؤولية الأخلاقية في التعامل مع كبار السن في مثل هذه الظروف.

الحاجة عوالي ليست امرأة عادية في محيطها. لطالما كانت ملجأً للمرضى البسطاء، تقدّم لهم خبرتها بما استطاعت، وتسهر على راحة من هم في حاجة للعون. لم تكن يوماً من الباحثين عن الربح، بل كانت تؤمن بأن خدمة الناس بركة، وأن اليد التي تداوي هي يدٌ يباركها الله. لكن الزمن لم يكن رحيماً بها، ولا السن جعلها بمنأى عن الخطأ. فمع ضعفها وتراجع صحتها وبصرها، وقع ما لم يكن في الحسبان: خطأ غير متعمّد أدى إلى وفاة إحدى النساء اللواتي كنّ تحت رعايتها.

ومع أن حادثة الوفاة مؤلمة وموجعة، إلا أن الطريقة التي تم التعامل بها مع هذه المرأة المسنة أثارت غضباً واسعاً بين الناس. فقد تم اقتيادها كما تُقتاد المجرمات، وسط بكاء وحزن شديدين، وكأن تاريخها الطويل من الخير قد مُحي في لحظة. انحنت خطواتها، وارتعشت يداها، ليس خوفاً من السجن، بل ألماً من جرح لم تتوقع أن يلامس كرامتها في هذا العمر. دموعها لم تكن دموع إدانة، بل دموع عمر كامل من العطاء، من الوقوف إلى جانب المحتاجين، من ليالٍ أمضتها في خدمة غيرها.

هذه الحادثة تفتح باب النقاش حول كيفية تطبيق القانون في إطار يراعي الإنسانية، خصوصاً حين يتعلق الأمر بكبار السن. فالمسؤولية القانونية لا تعني غياب الرحمة، والعقاب لا يفترض أن يتجاهل الحالة الصحية والنفسية للمتّهم. الحاجة عوالي لم تهرب من مسؤوليتها، ولم تنكر ما حدث، لكنها لم تكن تستحق أن تُعامل بهذه القسوة، لأنها لم تُعرف يوماً إلا بالخير.

المجتمع بدوره عبّر عن رفضه لما جرى، مؤكدين أن العدالة الحقيقية ليست مجرد تطبيق صارم للقانون، بل هي تحقيق توازن بين الحق والرحمة. فهذه المرأة التي وصلت إلى التسعين من عمرها لا يمكن أن تُعامل كمن ارتكب فعلاً متعمداً أو تسبب في الأذى بقصد. إنها ضحية الضعف، العمر، والقدر، أكثر مما هي الجانية.

وفي خضم هذا الجدل، ترتفع الدعوات للمطالبة بمراجعة الإجراءات المتعلقة بكبار السن في مثل هذه القضايا، وتطبيق بدائل إنسانية للعقوبات السجنية، كالإقامة الجبرية أو المتابعة الطبية والقانونية دون سجن. فالغاية من العقاب هي الإصلاح، وليس كسر ما تبقى من روح أنهكها الزمن.

في النهاية، تبقى الحاجة عوالي رمزاً لطيبة نساء الجيل القديم، اللواتي قدمن الكثير دون انتظار مقابل. وما حدث معها يجب أن يكون درساً في الرحمة قبل أن يكون درساً في القانون، لأن الرحمة، في مثل هذه الحالات، أعدل وأسمى من القضبان.