جدة تضطر للتسول لإعالة أحفادها بعد تخلي زوج ابنتها عنهم وهروبه إلى الخارج
في أحد الأحياء الشعبية الهادئة، تقف امرأة مسنة وقد أثقلتها السنين، تحمل بين يديها وجعاً لا يعرفه إلا من ذاق مرارة المسؤولية المفروضة. هذه الجدة، التي كان من المفترض أن تقضي أيامها في راحة وطمأنينة بعد رحلة عمر طويلة، وجدت نفسها مضطرة إلى التسول في الشوارع من أجل توفير لقمة العيش لأحفادها الصغار، بعدما تخلى عنهم زوج أمهم وهرب إلى الخارج، تاركاً وراءه مسؤولياته بلا خجل ولا رحمة.
القصة بدأت حين واجهت ابنة هذه الجدة ظروفاً اجتماعية وصحية صعبة جعلتها عاجزة عن إعالة أبنائها. وبينما كان من الطبيعي أن يتحمل زوجها دوره كأب، اختار طريق الهروب، تاركاً عائلته تواجه مصيراً مجهولاً. اختفى فجأة، وغادر إلى دولة أوروبية بحثاً عن حياة جديدة، دون أن يلتفت إلى من تركهم وراءه. هكذا وجدت الجدة نفسها أمام واقع مرّ: ثلاثة أطفال يحتاجون الطعام، الدواء، والحنان، في حين لم يعد للعائلة من معيل غيرها.
ولأن المعاش الضعيف الذي تتقاضاه لا يكفي لسد أبسط الاحتياجات، اضطرت المرأة إلى الخروج يومياً، تجرّ أقدامها المتعبة، تقف على الأرصفة وتطلب المساعدة. لم يكن التسول خياراً بالنسبة لها، بل كان آخر حلّ في مواجهة الجوع والعوز. ومع ذلك، تحملت نظرات الناس، قسوة الشارع، وصوت كرامتها الذي يتوجع داخلياً، فقط كي لا ينام أحفادها جائعين.
هذه الحكاية ليست مجرد حالة فردية، بل هي انعكاس لمعاناة اجتماعية يعيشها كثيرون، حيث تتفكك الأسر تحت وطأة الفقر أو الهجرة أو المسؤولية غير المتوازنة، فتسقط أعباء الكبار والصغار على أكتاف من لا طاقة لهم بها. وتكشف أيضاً ضعف شبكات الدعم الاجتماعي التي من المفترض أن تحمي كبار السن والأطفال من السقوط في دوامة الحاجة.
الجدة، رغم تقدمها في العمر، ورغم الأمراض التي تلازمها، تواصل يومها بإصرار مؤلم. تخرج عند الفجر وتعود عند الغروب، تحمل ما جمعته من مبالغ بسيطة بالكاد تكفي لتوفير بعض الطعام. ومع ذلك، تظل الابتسامة هي الوسيلة التي تحاول بها إخفاء تعبها أمام أحفادها، كي لا يشعروا بالخوف أو الحرمان.
هذه القصة تدعو إلى فتح نقاش جدي حول المسؤولية العائلية والأخلاقية، وحول الدور الذي يجب أن تلعبه الدولة والمجتمع في حماية الفئات الضعيفة. فليس من المقبول أن تترك جدة تتسول في الشوارع كي يعيش أطفال لم يقترفوا ذنباً. كما أن التخلي عن العائلة تحت أي ذريعة لا يبرّره قانون ولا عقل ولا ضمير.
وفي النهاية، تبقى هذه الجدة مثالاً للقوة والصبر، امرأة قاومت الذل من أجل أن يعيش أحفادها بكرامة. قصتها ليست مجرد مأساة اجتماعية، بل صرخة تطالب بالرحمة، بالتضامن، وبإعادة النظر في آليات الحماية الاجتماعية، حتى لا تُترك جدات أخريات وحدهن في مواجهة قسوة الحياة.