مأساة جديدة في النقل الفلاحي: وفاة امرأة إثر اختناق داخل سيارة تقلّ العاملات نحو الحقول
في حادثة جديدة تسلّط الضوء على هشاشة ظروف نقل النساء العاملات في القطاع الفلاحي، توفيت امرأة فلاحة إثر اختناقها داخل سيارة مخصّصة لنقلهن إلى أماكن العمل. هذه المأساة المؤلمة أعادت إلى الواجهة النقاش حول واقع العاملات الفلاحيات اللواتي يواجهن يوميًا مخاطر متعددة أثناء تنقلهن نحو الحقول، في غياب شروط السلامة اللازمة وفي ظلّ ظروف نقل غير إنسانية.
الضحية كانت ضمن مجموعة من النساء المتوجّهات فجراً إلى عملهن، حين تعرضت للاختناق داخل وسيلة نقل مكتظة، تفتقر إلى أدنى المقومات الصحية والوقائية. هذا السيناريو، رغم فداحته، ليس جديدًا، إذ لطالما عانت العاملات الفلاحيات من حوادث متكررة تتراوح بين الاختناق، السقوط، الإصابات الخطيرة وحوادث المرور القاتلة، نتيجة غياب رقابة حقيقية على وسائل النقل المخصّصة لهن.
وتعكس هذه الحادثة واقعًا مريرًا تعيشه آلاف النساء في المناطق الريفية، حيث ينطلقن قبل طلوع الشمس في رحلات محفوفة بالمخاطر من أجل كسب لقمة العيش. في أغلب الأحيان، تُنقَل هؤلاء النساء في شاحنات صغيرة أو سيارات غير مجهزة، يجلسن فيها في أماكن ضيقة ومغلقة، ما يجعل احتمال وقوع حوادث أمراً متوقعًا، بل شبه يومي.
كما تثير هذه المأساة غضبًا واسعًا بسبب التهاون في فرض القوانين التي تنظّم نقل العمال والعاملات في القطاع الفلاحي. فرغم تكرار الحوادث، لا تزال العديد من وسائل النقل غير مطابقة لشروط السلامة، كما لا يتم اتخاذ إجراءات ردعية ضدّ المخالفين. هذا الوضع يجعل من النساء الفلاحات الطرف الأضعف في منظومة عمل قاسية، يسدّدن ثمنها من صحتهم وحياتهم.
من جهة أخرى، تلقي هذه الظاهرة بظلالها على الوضع الاجتماعي والاقتصادي للنساء في الأرياف، إذ يعتمدن بشكل كامل على هذا النوع من العمل لتأمين دخلهن. فغياب بدائل نقل آمنة يجبرهن على قبول المخاطر اليومية، مما يضعهن أمام معادلة قاسية: إمّا العمل في ظروف غير لائقة، أو فقدان مصدر رزقهن الوحيد.
وتبرز الحاجة الملحّة إلى وضع استراتيجية وطنية واضحة لمعالجة هذا الملف المتشعب، تقوم على تنظيم شامل لقطاع نقل العمال الفلاحيين، مراقبة دورية لوسائل النقل، وتوفير بدائل آمنة تحترم الكرامة الإنسانية. كما يتطلب الأمر تعزيز وعي المشغّلين بأهمية توفير وسائل نقل لائقة، إلى جانب دعم العاملات الفلاحيات عبر آليات حماية اجتماعية فعالة.
إن وفاة هذه المرأة ليست مجرد حادث عابر، بل جرس إنذار جديد يذكّر بضرورة التحرك العاجل لإنقاذ أرواح النساء العاملات اللاتي يشكّلن ركيزة مهمة في الاقتصاد الفلاحي. فالمطلوب ليس فقط التعاطف مع الضحية وأسرتها، بل إجراء إصلاحات حقيقية تمنع تكرار مثل هذه الفواجع، وتضمن للنساء العاملات في الحقول حقهن في العمل الآمن والكرامة الإنسانية.
وفي انتظار إصلاحات جديّة، يبقى الواقع اليومي للعاملات الفلاحيات محفوفًا بالمخاطر، فيما تتكرر الحوادث التي كان من الممكن تفاديها لو توفرت الإرادة، والمحاسبة، والحلول العملية.