قضية الطفلة فاتن زكي تهز الرأي العام: قانون العقوبات في قفص الاتهام
أثارت قضية الطفلة فاتن زكي، التي راحت ضحية جريمة قتل بشعة على يد زوجها، غضباً واسعاً في الشارع المصري وعلى منصات التواصل الاجتماعي، بعد صدور حكم مخفف بالسجن 7 سنوات فقط ضد الجاني، رغم بشاعة الجريمة ووضوح نية القتل. القصة المأساوية لفتاة لم تتجاوز الثانية عشرة من عمرها تكشف من جديد ثغرات خطيرة في منظومة العدالة وتطبيق القانون في قضايا العنف ضد النساء والأطفال.
فاتن، التي تم تزويجها بعقد عرفي وهي لا تزال طفلة، كانت ضحية زواج قسري وانتهاك للقانون والطفولة في آن واحد. ووفق التحقيقات، أقدم زوجها على قتلها بوحشية بعد خلاف تافه بسبب تناولها طبق مكرونة دون إذنه. هذه الجريمة التي كان يُفترض أن تُواجَه بأشد العقوبات، تحولت إلى قضية رأي عام بعد أن تم تخفيف حكم الإعدام الصادر بحق الجاني إلى السجن سبع سنوات فقط.
القرار القضائي أعاد إلى الواجهة الجدل القديم حول المادة 17 من قانون العقوبات المصري، التي تمنح القاضي سلطة تقديرية في “استعمال الرأفة” والنزول بالعقوبة درجة أو درجتين. ورغم أن النص القانوني وضع أساساً لتحقيق العدالة الإنسانية في الحالات الاستثنائية، إلا أنه أصبح، في رأي الكثيرين، وسيلة لتخفيف العقوبات حتى في جرائم القتل العمد والعنف ضد النساء والأطفال، وهو ما حدث في قضية فاتن.
الخبراء القانونيون يرون أن استخدام المادة 17 في غير موضعها يمثل خطراً كبيراً على مبدأ الردع والعدالة. إذ لا يمكن المساواة بين قاتل أزهق روح طفلة بريئة وبين من ارتكب جريمة بدافع طارئ أو دون نية مسبقة. كما أن تطبيق الرأفة في جرائم كهذه يشجع على الإفلات من العقاب، ويضعف ثقة المواطنين في المنظومة القضائية.
من جانبهم، اعتبر النشطاء والحقوقيون أن ما حدث لفاتن ليس مجرد جريمة قتل، بل هو اغتيال مزدوج للطفولة والقانون. فزواجها وهي قاصر يشكل في حد ذاته جريمة يعاقب عليها القانون، ثم يأتي الحكم المخفف ليضيف جرحاً جديداً في ضمير المجتمع. وطالبوا بضرورة تعديل النصوص القانونية التي تتيح التخفيف في جرائم العنف الأسري والقتل العمد ضد النساء والأطفال، معتبرين أن العدالة لا تتحقق إلا عندما تكون القوانين منصفة للضحايا لا للجناة.
القضية تسلط الضوء أيضاً على غياب الرقابة الفعالة على زواج القاصرات في بعض المناطق، وعلى ضرورة توعية الأسر بخطورة تزويج الفتيات قبل سن البلوغ القانوني. ففاتن لم تُقتل فقط على يد زوجها، بل على يد منظومة سمحت بزواجها وسكتت عن مأساتها حتى النهاية.
اليوم، تتحول قصة فاتن إلى رمز لمعركة أوسع من أجل العدالة والإصلاح القانوني. المعركة التي تتجاوز حدود هذه الجريمة إلى إعادة النظر في ثقافة “الرأفة” حين تتحول إلى ظلم، وفي القوانين التي لا تواكب حجم الجرائم المرتكبة ضد الفئات الهشة.
لا عدالة لفاتن ما لم تتم مراجعة المادة 17 وإيقاف استخدامها في جرائم القتل والعنف الأسري، فالقانون يجب أن يكون حصناً للضحايا لا مظلة للجناة.